في بعض الأحيان يكون من الصعب أن نصل باللغة فقط إلى مرادنا، وللفكرة التي نريد الحديث عنها، وربما من أصعب المواقف التي يمكن شرحها لغير المجرب تجربة الجيش، مهما تخيل الناس الصعوبات والأهوال، وتخيلوا أنهم والمتحدث على أرض واحدة، يختفي كل هذا بالتجربة، فجأةً تُلقى في منتصف الصحراء، تُنزع منك الحياة التي تعرفها، تؤخذ منك ملابسك وأفكارك، وتأخذ رقمًا لتعريف شخصيتك العسكرية، التي رأيها هو رأي القائد، وهدفها الأسمى طاعة الأوامر، أن تكتشف الحياة العسكرية معناه أنك تكتشف بيئة ذكورية شديدة الصرامة، لكن هذه الصورة، والصور المختلفة والصعبة والشديدة التي نعرفها عن الجيش، تختلف تمامًا بنظرة واحدة على الجيش الإسرائيلي.
صورة من فيلم «All Quiet On The Western Front»
بمشاهدة الأفلام وتتبع السير الذاتية والمقالات ستكتشف أن تجربة الجيش لا تختلف كثيرًا من الشرق إلى الغرب، ويمكن أن ترى هذا في أفلام مثل «full metal jacket» أو «Jarhead»، أو ترى تأثيرات الحرب في فيلم مثل «The thin red line»، هذه الصور التي عرفناها بالواقع وبالأعمال الفنية تنزوي تمامًا إذا نظرنا للجيش الإسرائيلي، ولا أقصد هنا إطالة الرأس ومحاولة متابعة شئونهم، أو تحليلات استخباراتية عميقة، بل ما يقدمونه لنا على الشاشات دون أن نحرك طرفًا.
مجندات إسرائيليات وكأنهم على غلاف مجلة
هنا تختلف الصورة التي نعرفها للعسكرية عامةً وللجنود خاصةً، هذه المرة نرى الجنود منتشرين على تيك توك وكأنه واجب وطني، يملئون إنستجرام واليوتيوب بالمقاطع القصيرة المناسبة تمامًا لهذا الوقت، إنها الاقتراحات التي يمكن أن يقدمها أفضل متخصص في مجال مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذه المرة النصيحة لا تقدم لعلامة تجارية تريد تغيير الوعي عنها أو زيادة التفاعل معها، أو أن يختارها المستهلك من بين عشرات العلامات الأخرى على الأرفف، هذه النصائح تقدم لجيش، تاريخه أنهار من دم لا تسر الناظرين، لكن هل بدأ الأمر مع انتشار مواقع مثل تيك توك، والأمر كله مجرد صدفة وحالات فردية؟
في مقالها الطويل المنشور في جامعة كامبردج تتحدث الكاتبة Melissa Melpignano عن الرقص في إسرائيل، وقد عنونت المقال بكلمة «Necropower» ومعناها باختصار شديد هو استعمال القوة الاجتماعية والسياسية لتحديد الطريقة التي يعيش بها (أو يموت بها) بعض الأشخاص. لنأخذ أول مثال من مقالها، وهو عن مقطع نُشر على اليوتيوب عام 2007، من قبل مؤسسة The People’s Voice التي أسسها عامي أيالون رئيس الشاباك السابق وأستاذ الفلسفة الفلسطيني سري نسيبة، بهدف أن يتعايش الفلسطيني ومغتصبه في سلام.
يبدأ الفيديو بالمشهد المعتاد، جندي إسرائيلي يوجه فوهة بندقيته نحو طفل فلسطيني، ويبدأ بضرب النار، والطفل كالعادة يحتمي بالأرض، ويلتقط منها أصغر أجزائها ويضرب الحجارة تجاه العسكري المسلح، وهنا نكتشف أنها مجرد لعبة، طفل يلقي بالصخور في السماء، والعسكري يصطاد الصخور، ثم يبدأ باللعب هو والطفل ويحمله على ظهره ويرقص به.
وهنا نعود للرقص مرة أخرى، وقد اخترت هذا المقطع تحديدًا لدلالته المباشرة التي تؤكد الفكرة التي أكتب من أجلها المقال؛ نحن لم نرَ العسكري يرفض أوامر قادته بضرب الطفل، لم نرَه يمزق الملابس العسكرية ويقرر أن يعيش في تسامح مع الآخر، لم نرَه يقف مع كتيبته بالكامل، وأسلحتهم موجهة في وجه عائلات فلسطينية، ثم يلقي هذا العسكري سلاحه تمردًا، فيموت معهم، لكن ما رأيناه هو العناصر الأساسية التي نعرفها، الجندي المسلح، والطفل الأعزل المحتمي بالأرض، وظللنا محتفظين بهذه العناصر حتى بعد انتهاء الفيلم، المشكلة هنا ليست في أن العسكري قد خلع أفروله المموه ورقص مع المدنيين، بل أنه يرقص في مكانه نفسه، سلطته نفسها، قوته نفسها، العسكري يرقص ليشعر/ يشعرنا أنه إنسان مسالم مثلنا، لكن الحقيقة أنه لم يخلع عنه أدوات القتل.
من مقال Rabbi Yisroel
بعد شهر واحد من بدء الإبادة الجماعية، والمذبحة الوحشية، والأسلحة التي أشهِرت ولم تنظر من بعدها للأرض، نشر اليهودي Rabbi Yisroel Bernath على حسابه على منصة Medium مقالًا بعنوان «لماذا يرقص الجنود الإسرائيليون؟» وقال نصًّا: «إنهم يرقصون تأكيدًا لحبهم للحياة، محاولة للتمرد على الإرهابي الذي يحاول سلبهم إياها، هم لا يرقصون لأن الحياة بسيطة، والوضع جيد، بل لأن أرواحهم ترفض أن تثقل بالظلام»، وأكمل المقال على الشاكلة نفسها. مقال طويل يشرح فيه دلالة الرقص، المتمردة والرافضة للإرهاب، والصارخة في وجه الظلام، والملهمة للمدنيين الذين يعيشون حياة صعبة، إنها رسالة حقيقية، انظروا كيف نرقص ونحن في هذه الصعاب.
وبالطبع لا أعتقد أنه يجب أن أبذل مجهودًا كبيرًا لتوضيح زيف كلامه للجمهور العربي، فنحن نعرف أنه بعد شهر من الإبادة كانت الأطفال تُقتل كل دقيقة، وكانت أسر بأكملها تمحى من السجلات، فلا أعتقد أن هذه التصرفات تصدر من راقص متحرر ومتعقل، هذه الصورة التي يرسمها يمكن أن تكون صحيحة لرقصة من رقصات زوربا اليوناني، لكن في الحالة التي يقنعنا بها فهو محض افتراء.
الحقيقة أن محاولة إقناعنا أن ما نراه من رقص وحياة من الجنود الإسرائيليين، مجرد تصرفات عفوية وغير مقصودة لأن هكذا طبيعتهم، إذا فتشنا في حمضهم النووي فسنرى النيوكليوتيدات ترقص بشكل حلزوني، كل هذا يزول حينما نركز في تفاصيل الرقصات نفسها، ومرةً أخرى بعيدًا عن مئات المقاطع الموجودة الآن، بل قبل سعار التيك توك، وحمى المقاطع القصيرة، الرقص قبل شهوة الرقص التي نعيشها حاليًا كان قرارًا مدروسًا.
في 2010 وأثناء دورية للعساكر الإسرائيليين في مدينة الخليل، يبدأ فجأة مشهد غريب، في هذا الصيف القائظ، والشمس التي تحرق الأرض وتنشر الرمض، نكتشف أن الجنود يبدءُون بالانتشار بشكل منظم للغاية، ثم يبدءون بالرقص، قد لا يعرف الكثيرون معنى أن تلبس زيًّا عسكريًّا كاملًا تحت أشعة الشمس (أفرول - بيادة - شدة عسكرية - خوذة)، لكن الأمر يشبه أن تسحتمَّ بدرجة حرارة 50 مئوية حينما تصل للمنزل بعد المشي لساعات في الشمس.
المميز في هذه الرقصة هذه المرة، هو النظام مع الكلمات الأخيرة في الآذان، الكاميرا مثبتة على المسرح – الشارع - بأكمله، نسمع صوت الأغنية، ثم يبدأ العساكر بالرقص، بإيقاع متناسق، ومزامنة دقيقة بين الأفراد، وكأنهم تعلموا في كتائبهم الرقص مع القتل جنبًا لجنب، ساعة للسلاح وساعة لحركة الخصر، ولا أقصد هنا التقليل من الرقص، بل من صورة القاتل الذي يحاول تطبيع صورة مختلفة لحقيقته في أذهاننا، وهذه الصورة تحديدًا هي التي وصلت بنجاح، يمكن أن تنظر على التعليقات لأي مقطع من المقاطع المدرجة في هذا المقال، وسترى آلاف البشر، يتحدثون عن مدى لطف وإنسانية هذا الجيش الذي يرقص مثلنا، وسترى أمنيات بالخدمة معه والانضمام له والرقص بجانبه، وأنه مصدر للإلهام والاستمرار في هذه الحياة، تمامًا كما كان يقول Rabbi Yisroel Bernath في مقاله. «كثيرون منتبهون للرقص، وقليلون حول الموت والإبادة».
بعنوان «رقص الجنود الإسرائيلية لرفع الروح المعنوية أثناء الإبادة» نشرت مؤسسة Middleeastmonitor يوم 20 يناير من العام الحالي مقطعًا لعدد من الجنود الإسرائيليين وهم يرقصون في أوج الإبادة وأعنف أيامها، وبعدها بستة أيام ينشر مقطعًا آخر لرقص الجنود على بقايا جامعة فلسطينية جعلوها هي والأرض سواء.
والروح هي الروح التي رأيناها في عملية الجرف الصامد 2014، موت وقتال ورقص، وآلاف من البشر يعلقون ويتمنون أن يشاركوا هذه الأجواء البهيجة، والأيام السعيدة، يتمنون أن يتمايلوا على الأرض الخربة، وأن يتراقصوا مع الأرواح العطبة، وأن يتحركوا على نواح العائلات الفلسطينية، ففي النهاية الإنسان هو الإنسان، والمشترك بيننا يذيب الجليد والقلوب، ويحولك من الآخر، لإنسان مثلي، لشبيه لي، يحولك لي أنا، فمن ناحية لدينا شخص يرقص محب للحياة، مرهف الحس، أذنه تفهم الموسيقى وتترجمها إلى حركات، وعلى ناحية أخرى لدينا عربي ملثم يصرخ: «الله أكبر»، المشكلة الحقيقية هنا أن هذه القوة الناعمة لم تزرعها إسرائيل بين ليلة وضحاها، بل هي خطة طويلة الأمد، خطواتها صغيرة، لكن هذه الخطوات الصغيرة قطعت شوطًا كبيرًا للغاية. ومن هنا تكمن صعوبة تغير صورة إسرائيل في الغرب، أو دعونا نقول بطء هذه العملية، فبالرغم من الموت المباشر، وعداد الأموات، ونبع الدم الذي لا ينضب، فإن عددًا كبيرًا من العالم مشوش لا يغضب.
أفيخاي أدرعي، وخليفته كابتن إيلا،
محاولات تجميل صورة إسرائيل وطبعها في أذهاننا وكأنهم مثل باقي المدنيين لم تقف على الرقص فقط، بل مناحي كثيرة أخرى على مواقع التواصل، فما من أحد منا لم يقرأ في يوم تعليقًا أو تغريدة لأفيخاي أدرعي، وهو رئيس قسم الإعلام العربي في الجيش الإسرائيلي، ومثل أفيخاي تظهر خليفته كابتن إيلا، شابة مسلمة تتكلم بلساننا، وتستشهد بالآيات والأحاديث أكثر مما يستشهد بهما أئمة المنابر وشيوخ العواميد، فتارة تحدثنا عن الأمن في إسرائيل، وتارة تحدثنا عن العرب هناك، وتارة أخرى ترينا الإفطارات الجماعية في الجيش الإسرائيلي في رمضان.
والمشكلة هنا مشاكل، والكارثة كوارث، فهذا النوع من الخطابات أفهمه تمامًا بل أتمنى وجوده، إيلا وأفيخاي يعطيانني كل ما أريده، ويعطيان العلماني، والإنساني، والتيار اليساري كل المخدرات والمسكنات التي يمكن أن يتمنوها، إنهم أشخاص مثلنا نبذوا التعصب والتطرف ويريدون أن يعيشوا معنا، مثلنا، في سلام تام، بل إنهم يؤكدون أن من بينهم عربًا يصومون، وهذا يجعل عدوهم عدونا نحن أيضًا، لكن أين تكمن المشكلة في كل هذا؟
الوجه الحقيقي للجيش! (صورة تعبيرية)
حسنًا المشكلة واحدة، وهي الخطوة الأولى بعد الرقص، والخطوة الأولى بعد الحديث والآية والإفطار الجماعي، والخطب المعسولة، ماذا يفعلون حينما تبدأ ساعة الحق، وتدق طبول الحرب؟ هنا فقط نرى التعصب الأعمى والتلعثم والتأتأة، هنا نرى أفيخاي وإيلا ينكران ما يحدث، ويرفضان الاعتراف بأعداد الموتى، ويبرران كل ما نراه بأعيننا ليل نهار، والرقص هو الآخر لم يسلم من هذه الخطوة، في الضربة الأولى لطبول الحرب، مع الرقص والأنغام يحملون البنادق، ويشهرونها في وجوه الأطفال، شلال من القتل والدم، وفي ساعة الراحة بين دوامات الحرب المضنية يرقصون ثانية، رقصة أبدية لا تنتهي بين الموت الذي يسببونه، والإنسان بداخلنا الذي يخاطبونه بهذه الحركات.
سلوكيات جنود بالجيش الإسرائيلي
ومن الرقص إلى الفتيات لم تختلف الصورة كثيرًا، كانت إسرائيل الدولة الأولى التي تفرض التجنيد الإجباري للنساء، وثلث جيشها الآن نساء، بدأ الأمر بخطابات عن أهمية مشاركة النساء في الجيش، وهذا تحت فكرة وشعار أن الشعب هو الجيش والجيش هو الشعب، لكن سرعان ما تحول الأمر من واجب وطني وقصة نسوية إلى نوع من أنواع الدعارة، عملية خبيثة للمتاجرة بالنساء، وقبل أن تحكم على الكلام بأنه نابع من الغضب أو التعصب، لننظر إلى الصورة التي تصدرها إسرائيل للنساء.
في 2013 نشر الكاتب الإسرائيلي Amos Harel، في مجلة Tablet الخاصة بالشأن اليهودي، عن غضب عام بسبب مجموعة من الفتيات كُلِّفن بتدريب قوات المشاة من الذكور، وقد ظهرن في مقطع بملابسهن الداخلية والخوذة العسكرية وهن يرقصن، ومن خلف الكاميرا صوت يشجعهن على الرقص كالفاسقات - وهذه ترجمة مخففة للفظ المستخدم - بعد أيام بدأت مجموعات أخرى من الفتيات في الجيش الإسرائيلي أخذ الطريق نفسه، الرقص بالملابس الداخلية، والغريب أن هؤلاء الفتيات أشبه بالعارضات العالميات، وكأنهن يُختَرن بدقة شديدة ليظهرن إلى العلن بهذا الشكل، وهنا لا أتحدث مجازًا، فالجيش الإسرائيلي هو الوحيد تقريبًا الذي تجد نساءه على المجلات ويتصدرن عناوين الصحف والأخبار، لا من أجل إنجاز مهمة عسكرية بطولية، ولكن لأنهن الأجمل في العالم، والأكثر لطافة، ولأنهن مثيرات بدون ملابس، هذه الدعارة العسكرية على شلالات الدم، لا تتوقف هنا.
مجندات إسرائيل على التيك توك
للجيوش قوانين صارمة، قد تنتزع الإنسان منك حتى تفقد هويتك وهواياتك، وحقيقتك، تنتزع الملامح والروح، إنها عملية مستمرة لتصبح فردًا في المنظومة، عسكريًا على قطعة شطرنج، وهذا ما يحاول بعض القادة الإسرائيليين إقناعنا به أحيانًا، أنهم ضد ما يحدث في الجيش، وضد الرقص، وضد الفسق والفجور، ويعتبرون كل هذا عمليات فردية، لكن في الحقيقة هذا هو الجيش، والتصريحات التي تخرج لتجريم الرقص، تكون مصدرًا للسخرية والتندر بين الجنود، وهذا معناه أنها تصريحات لحفظ ماء الوجه فقط، لو أن هناك قانونًا وعقابًا حقيقيًا، لما تجرأ الجنود والضباط على هذه التصرفات.
وبالحديث عن التجرؤ والدعارة، لا يصح أن ينتهي المقال دون الحديث عن الجنس الصريح في الجيش الإسرائيلي، وهنا لا أقصد حوادث الاغتصاب مثلًا، أو الذي يتم برضا الاثنين، أو بين القادة والمجندات، فهذا حديث آخر، ما أتحدث عنه هو الذي يُصدَّر للعامة من الناس، مثله مثل الرقص، ومثل الجندي الذي يضرب صخور الطفل الفلسطيني.
بين الجيش وأونلي فانز (صورة تعبيرية)
الجنديات الإسرائيليات تراهن في أونلي فانز وبعض المواقع الإباحية كما تراهن في ساحات المعركة والوحدات العسكرية، وربما أشهر مثال على ذلك هي Nataliafadeev، وقد تابعتها عن كثب منذ السابع من أكتوبر إلى الآن، والحقيقة أن ما تفعله لا يختلف كثيرًا عن الرقص، أنا هنا لا أتحدث عن المحتوى الإباحي من ناحية أخلاقية أو لقول يجب ولا يجب، بل لتوضيح تأثيره كقوة ناعمة على العالم. حساب ناتاليا على إنستجرام حساب خاص لا يستطيع العامة رؤيته، ومع ذلك عليه مليون متابع، فمن ناحية يظهر وكأنها غير مهتمة ولا تريد أحدًا على الحساب، بل إنها لا تُظهر المحتوى المنشور فيه، لكن من ناحية أخرى على الحساب عدد أكثر من معظم الحسابات العامة.
المهم قبلت ناتاليا المتابعة، وبدأت أرى ما تنشره، الإباحية مخلوطة بالعسكرية كما لم نرَ من قبل، الصور التي تنشرها على أونلي فانز قبل الحرب هي نفسها ولكن بقطع من الملابس العسكرية، مع عبارات تحض على الكراهية والعنف ضد الفلسطينيين، وترحُّم وبكاء على الإسرائيليين، لناتاليا صور وحالات (ستوريهات) كثيرة مزعجة للغاية، لكني سأذكر اثنتين منها.
الموقف الأول كان أول يوم من رمضان الماضي، في الصباح نشرت صورة لنفسها وفي يدها مسدس، وعلقت أنها مستعدة لأن الصيام يجعلهم غاضبين وعنيفين!
أما الموقف الثاني فكان في عيد الحب، وقتها شاركتنا صورًا لبعض أدوات التجميل الخاصة بالنساء، وكتبت أنها تفتقد هذه الأشياء النسائية، الغريب أنها لم توقف أنشطتها الإباحية، بل إن لها حسابًا آخر على إنستجرام به 100 ألف متابع، كانت تنشر عليه بشكل يومي، وفي المساء تترك الحرب كأنها دوام ثماني ساعات، وتذهب للمنزل وتشاركنا الكرتون الذي تشاهده، أو Kim Possible دامو ستحيل، لأنها تشبه هذه الشخصية. الحقيقة أن هذه الشخصية التي تعيش حياتها في الحرب أفضل مما يعيشها بعضنا في الواقع، لا تفتقد للأمور التي تحبها النساء، لكنها تحرك في الغرب أوتار الإنسانية، وتخبره بمدى بشاعة العالم الذي تعيش فيه، لهذا من الطبيعي أن ترى بعض التعليقات التي تخبرها أنها كانت تقف مع فلسطين، حتى عرفت ناتاليا وبدأت بمتابعتها.
تجميل صورة الجيش (صورة تعبيرية)
نعم هذه القوة الناعمة، سواء الرقص أو الإباحية الضمنية وغير المباشرة، تفعل في العالم مثلما يفعل الإنمي الياباني، هذه الأشياء التي نعتبرها بسيطة تؤثر أحيانًا أكثر من السياسة والتاريخ، وآلاف الحجج، والمنطق الواضح الصحيح، يكفي صورة واحدة تؤثر في الإنسان وشهوته حتى تؤثر على عقله، والكثير من الإنسانية يمكن أن تزيف، والقصص من السهل أن تُجزَّأ.
في عالمنا الآن توجد عناصر كثيرة مهمة غير العناصر الصريحة والصحيحة والمباشرة الصلدة التي أمام أعيننا، هذه الأشياء كانت مهمة في القرن الماضي، لكن الآن للعبة قوانين أخرى، ما زلنا ننظر بعيدًا عنها وننكرها، لكنها هي التي تحرك أرض الواقع، العالم يحتاج لكاتب مثل غسان كنفاني حتى يخبره عن القضية، لكن ناتاليا يمكن أن تنسيه هذا الكاتب، وقصيدة في المقاومة لدرويش يمكن ألَّا تدوم طويلًا كرقصة لقادة عراة في سلاح المشاة، ما الحل إذن؟ إنه الوعي، محاولة زرع الإدراك، هذا السحر الذي إذا لمس نقطة في العقل من المستحيل أن تعود مرة أخرى، فمعظم ما أقوله عن التأثير والقوى الناعمة يؤثر على الذين يسيرون بلا أدمغة وينساقون بلا تحليل، لكنك متى أدركت تحصنت.